العلامة في السيميائيات.. مستوى انطولوجي. مستوى تداولي براغماتي يعنى بفاعلية العلامة وبتوظيفها في الحياة العملية

العلامة هي الاصطلاح المركزي في السيميائية.
وتعنى السيميائية بالعلامة على مستويين:

- المستوى الأول وجودي (أنطولوجي)، ويعني بماهية العلامة أي بوجودها وطبيعتها وعلاقتها بالموجودات الأخرى التي تشبهها والتي تختلف عنها.

- المستوي الثاني فهو مستوى تداولي (براغماتي)، يعنى بفاعلية  العلامة وبتوظيفها في الحياة العملية.
ومن منطلق هذا التقسيم نجد أن السيميائية اتجهت اتجاهين لا يناقض أحدهما الآخر:

- الاتجاه الأول يحاول تحديد ماهية العلامة ودرس  مقوماتها، وقد مهد لهذا المنحنى تشارلز بيرس.

- الاتجاه الثاني فيركز على توظيف العلامة في عملية التواصل ونقل  المعلومات، وقد اعتمد هذا الاتجاه على مقولات فرديناند ده سويسر.

فالمستوى الأول:
يدرس المستوى الوجودي الأنطولوجي السيميائية وفقاً لأبعاد  ثلاثة:

1- البعد النظمى  السياقي:
وهو  يدرس الخصائص الداخلية في منظومة العلامات دون أن ينظر في تفسيرها أي ينظر في بنية العلامات داخل المنظومة.
(القصيدة  مثلاً).

2- البعد  الدلالي:
يهتم  بالعلاقة بين العلامة وبين مدلولاتها فهو يدرس محتوى العلامات والعلاقة القائمة بين العلامة وتفسيرها وتأويلها من دون النظر إلى من  يتداولها.

3- البعد التداولي:
يدرس الصلة بين العلامة ومن يتداولها وتحدد قيمة هذه  العلامة من خلال  مصلحة من  يتداولونها.

ونلحظ هنا أن البعد الدلالي والسياقي لهما صلة بمسائل محددة من السيميائية، أما البعد التداولي فله علاقة بدراسة المسائل السيميائية التي تحتاجها علوم معينة مثل سيكلولوجيا اللغة (علم النفس اللغوي) وعلم النفس الاجتماعي.

وفي المستوى الثاني:
نجد أن دي سوسير يعرف العلامة بأنها "اتحاد لا ينفصم بين دال ومدلول والدال تصور سمعي يتشكل من سلسلة صوتية يتلقاها المستمع وتستدعي إلى ذهنه تصورا ذهنيا مفهوميا هو المدلول." أي هي وحدة ثنائية المبني لا يمكن فصل طرفيها أحدهما عن الآخر.

فالعلامة عنده نتاج لعملية  نفسية.
ولكن أكثر من طوّر أفكار دي سويسر يرون أن الدال حقيقة مادية محسوسة لا تقتصر بالضرورة على الأصوات.

ويمكن  للمرء أن يختبرها  بالحواس.
وهذا  المحسوس المادي يستدعي إلى  ذهن الملتقي حقيقة أخرى محسوسة هي المدلول.

فالعلامة دالها ومدلولها  حقيقة مادية محسوسة تثير في العقل صورة ذهنية، ولكن هذه الصورة هي صورة ذهنية لشيء موجود في الواقع، لكن في رأيهم، أن السيميائية لا تهتم بقضية الحقيقة والبطلان، أي بمسألة مطابقة العلامة للواقع.

إنما تكمن القيمة السيميائية في العلاقة القائمة بين الدال والمدلول فقط دون تجاوزهما إلى الشيء الذي تشير إليه العلامة فهذه العلاقة الثلاثية تخرج من السيميائية إلي الدلالة.

وللعلامة عند السوسيريين خاصيتان:
- الأولى هي اعتباطية العلامة أي أن العلاقة بين الدال والمدلول لا تقوم على علة من العلل المنطقية أو الطبيعية.
- الثانية: قيمة العلامة.

وتنشأ هذه القيمة عن سببين:
- الأول وظيفة العلامة.
- الثاني: أشكال  التشابه والاختلاف بينها وبين العلامات الأخرى (وهي قيمة مرتبطة بماهيتها).

فالعلاقة بين الدال والمدلول عندهم، هي علاقة  اصطلاحية وهي حاصل اتفاق بين المستعملين.
ويمكن لهذا الاتفاق "أن  يكون  ضمنياً أو ظاهريا وإن بقي مفهوماً نسبياً خاصة عندما يتعلق الأمر بالتواضع (الاتفاق) الضمني.

وهذا التواضع درجات إذ يمكنه أن يكون قوياً وجماعياً ومرغماً ومطلقاً كما في إشارات المرور والترقيم الكيميائي والجبري، ويمكن أن يكون قوياً كما في قواعد الآداب العامة".

وتتآلف العلامات فيما بينها وفقاً  لنوعين من العلاقات:
1- العلاقات  النظمية  السياقية:
وتنبع قدرة  العلامات على التآلف من  محور ذي بعد واحد  يجعل  العلامات ترتبط  بعضها بالبعض الآخر في متتالية من العلامات تنتمي إلى السياق نفسه.

2- العلاقات الاستبدالية:
وهي تنبع من قدرة العلامات على تشكيل جداول ترتبط  وحدات كل جدول فيما بينها ويمكن للواحدة أن تحل محل الأخرى؛ إذا تبدل السياق.

وإذا بحثنا عن رأي عالم آخر غير دي سوسير حول العلامة فإن باختين العالم الروسي يرى أن العلامة ذات بعد مادي واقعي -خلافا- لدي سوسير الذي رآها مجردة من أي واقع حسي أو مادي.

ولم يكتف بذلك بل قال أن العلامة لا يمكن فصلها عن الايدولوجيا، ولا عزلها عن التواصل الاجتماعي ذي الأشكال المحسوسة كما لا يمكن عزل التواصل وأشكاله عن أسسه المادية، مما يدل على أهمية هذا المصطلح أن الكثيرين يسمون هذا العلم بعلم العلامات.

ومن هؤلاء بيرس الأمريكي الذي  يميز بين أنواع العلامات فيقول إنها ثلاثة أنواع هي:
1- العلامة الأيقونية Iconic Sign:
مثل الصور والرسوم البيانية، والخرائط، والنماذج والمجسمات.

وهي التي بينها وبين ما تدل عليه محاكاة، أي هي تحاكي ما تشير إليه .وقد تكون هذه المحاكاة عالية كما في الصور التلفزيونية. أو منخفضة كما في اللوحات السريالية والأحلام وبعض مفردات اللغة التي تحاكي معانيها كأ سماء الأصوات.

2- العلامة الإشارية Indexical Sign:
وهي التي بينها وبين مدلولها تلازم مشهود مثل: دلالة الدخان على النار، ودلالة آثار الحيوانات عليها، وكذلك آثار المجرمين.

3- الرمز أو العلامة الاصطلاحية Symbol:
وهي ما اتفق عليه مجموعة من الناس بناء على اصطلاح معين  وليس بينها وبين ما تدل عليه أي محاكاة  مثل: إشارات المرور والعلامات الموسيقية وكذلك الكلمات المفردة في أي لغة.

للعلامات تصنيفات عدة من زوايا مختلفة ومما شهر من هذه التصنيفات ما يلي:
إرادية وغير إرادية ، والإرادية قسمان: اتصالية واتصالية جمالية.
- الأولى مثالها: الإشارات المرورية والعسكرية، وأبواق السيارات، والإرشادات والتوجيهات والشهادات.
- والثانية مثل: الصور الفنية، والتماثيل، والمقطوعات الفنية.

أما غير الإرادية فمنها: الصوتية كالسعال، والحركية كجريان الدم في العروق، والشكلية كحمرة الخدود وتغير لون ا لشعر ومن زوايا التصنيف هنا أيضا: تقسيم العلامات إلى:

1- طبيعية: أي تنتجها الطبيعة كأصوات الرعد والحفيف والخرير وغيرها، وكذلك حركات الأشجار والأمواج ومر السحاب، وتشكيلات النجوم وأشكال القمر، وروائح الزهور والنبات والحشرات، وطعوم الموجودات الطبيعية كالفواكه وغيرها.
وكذلك ما يتصل بحاسة اللمس مثل :حرارة الأجسام وملاستها وخشونتها .

2- صناعية: وهي التي يصنعها الإنسان سواء كانت ذات طبيعة صوتية مثل: الأجراس والصفارات، أو حركية مثل: حركة عقارب الساعة، أو شكلية كالأضواء الملونة، أوشمية كالعطور، أو ذوقية كالمشروبات والأطعمة، أو لمسية كحرارة الأجهزة أو برودتها وهناك تصنيف آخر بني على البساطة والتركيب، فالعلامة البسيطة مثل إشارات المرور وإشارات التحية والإيجاب والرفض.

ومن أهم العلامات المركبة اللغة الإنسانية لأن فيها أكثر من مستوى واحد، بدء بالصوت فالكلمة فالتركيب النحوي والعلامة عند بيرس هي ثلاثية مكونة من:
1- الصورة ويقابلها الدال عند دي سوسير.
2- مفسرة ويقابلها المدلول عند دي سوسير.
3- الموضوع  وليس له مقابل عند دي سوسير.

وهي ثلاثة أنواع هي: العلامة النوعية التي لا يمكنها أن تتصرف حتى تتجسد، والعلامة العرفية وهي المتواضع عليها، والعلامة المتفردة وهي الشيء الموجود فعلا أو الواقعة الفعلية.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال