ضحالة في الموهبة وترجمة رديئة لمترجم مبتدىء في مجموعة (عذاب) لعدنان الخاطر

يُلقي عنوان مجموعة عبدالرحمن الخاطر (عـذاب) بظلاله علـى كافة نصوص المجموعة، ويُمسك بكافة خيوطها.
ويمكن اعتبارها امتداداً أو فروعاً للإيقاع الذي يفرضه العنوان عليها.

فجميع النصوص من حيث الدلالة امتداد لهذا المعنى، وهي تتحدث عن الحزن والألم والتيه الفردي والجماعي.

ويؤسِّسُ المعجمُ الشعري مفرداتِه على ما يُشتق من دلالة العنوان، مثـل (فراق، دمع، غروب، ليل، كلل، جرح، قتْلٌ، بُعْدٌ، فناء، بكاء، سليب، نحيب، مغيب، غربة، قِفار، عتاب، هَجْر، سلوة، حطَب، نزيف، مُتعب، مرعب، سراب، وداع، أشجان، ضنى، ُحطام، أكفان، أسى، شكوى، ضياع، ألم، خراب، تراب، حنين...).

ويُلقي العنوان بظلاله أيضاً على عناوين النصوص التي جاء بعضُها على النحو التالي: (عذاب، صبراً فؤادي، القمر، الصيف ضيّعت اللبن...).

وقد جاءت الرؤية خلاصةً منطقية، أو امتدداً لعنوان المجموعة، والمعجم الشعري، والمفردات، والدلالات، والتراكيب.
فالكاتب يعبّر عن صورة الفرد التراجيدية بقوله: 
شربتُ الكأسَ مـرّاً في شبابي -- وآلمني ضيـاعُ العمـرِ هابي
نهاراً سـارباً أمشي وليلاً -- ولا ألقـى معينـاً أو روابي
يقولُ الناسُ: هل للفألِ درْبٌ -- فقلتُ لهمْ يئسْتُ من الطِّلابِ
بلغـتُ الأربعينَ ولاادّكـارٌ -- يحـِنُّ ولا نميرٌ ذا شرابِ

ويؤكّد ذلك بقوله في مكان آخر:
أنا لستُ البكاءَ ولو أجيبُ -- أنا شوقٌ أنا - دهراً- غريبُ
ألملمُ اكباداً تقطّعُ من جوى -- علـى خلاّنـِهم  أبداً تيهبُ

ولكي يخرج الكاتب من مأزق الرؤية القبيح الذي استحوذ على مساحة معظم المجموعة يُقَدِّمُ مدينة صفوى بديلاً موضوعياً كنموذج للجميل.

وقد مثّل له بالمدينة التي تعجُّ بالهدوء والسلام والدفء والطمأنينة، وهي تُقابل المدينة المعاصرة التي تمتلىء بالعذاب والألم والقبح. 
كوني سـلامَ اللـهِ عنـدي ولأكُنْ -- يـا شاطىءَ الأحلامِ منكِ حنانا
يـا صفوى لم أنسَ رحيمةَ  شجوَها -- بـل إنـي  ممّن يعشقُ الإنسانا
ولتبتسم شـمسُ الحيـاةِ وبـدرُها -- ولتهنئي يـا  صفوى مهما كانا

ويقول في مكان آخر متَّحِداً بصفوى:
يا صفوى إني  للزمانِ أنا المنى -- وأنا الحيـاةُ  فكوني أماً أوأبا
إني أتيتُ أزفُّ أحلى قصائدي -- ورداً وعطـراً ياسميناً في ربى

وعلى الرغم أن تجربة الشاعر - كما هو مدوّن على الغلاف الخلفي للمجموعة - تمتد لمجموعتين أُخريين، لكن نصوص هـذه المجموعة (عذاب) جاءت ضعيفة.
ومما يؤكّد ذلك الآتي:

فقد ألزم الشاعر نفسَه بالبناء المعماري العمودي، ولم ينجح في محاكاته؛ لأسباب متعدّدة منها أن طبيعة الخطاب المستخدمة في المجموعة شفوية، وهو يفتقد إلى التصوير ويعتمد على التعبير، وقد كان الشاعر يتناول موضوعاته من خارجها أي على سبيل الحقيقة/ الوصف، ومما يدعم ذلك أن مفردات المجموعة لم تتجاوز دلالالتها المعجمية، ولم تخضع لأي شكل من أشكال الانزياح الذي يتطلبه الموقف الشعري، ويلحقُ بكل ذلك وقوعُ الشاعر تحت هيمنة التكرار والذهنية اللذين يستثيران لدى المتلقي - بقوة - الشعورَ بالملل، ويحجبان عنـه الشعور الجمالي بما يقرأ.

ومما زاد الطينَ بِلّةً اعتمادُ الشاعر على الشـعارات الكبيرة المتداولة في نشرات الإخبار، وكذلك الاستخدام غير الموفق للرموز الذي بدا مفتعلاً، وذا طابع ذهني.
وكل ذلك جعل ما قدّمه الشاعر عدنان الخاطر في مجموعة (عذاب) نظماً ضعيفاً وليس شعراً.

ومن الملاحظات التي نسجّلها هنا أن الشاعر كتب نصاً واحداً فحسب، أما بقية النصوص فهي تنويع على هذا النص، و تكرار لدلالاته، و مفرداته، ومفاصله.
وحتى هذا النص يُعاني من إشكالات ينطبق عليه ما ذكرناه آنفاً في الحكم.

وسكنتفي بشاهد واحد يجمع بين المآخذ المذكورة جميعاً لندلّل على ماذهبنا إليه.
يقول:
لا بلدتي
أنا لن أعيشَ في غربتي
إذا رأيتُ حقيبتي
كم ألقى من الذكرى إذا رأيتُ حقيبتي
وبها متاعي بلا جوازٍ، وبها شيءٌ
كأنه صورتي
أنا سوفَ أرجعُ للوطن
قلبي يحنُّ
ياقدسُ لست للهوى
فالحزنُ خيّمَ في المدن
الصيفَ ضيّعتِ اللبن
أنا لن أصلَي اليومَ فيكِ يا قدسُ، فحظّي قد عَصَاني
أينَ عنواني؟ أنا تائهٌ بين إخواني، أين عنواني؟
أبناءُ إسحاق رموني بالبَغاءْ
أأنا سوفَ أرحلُ عن هنا؟
فمجلسُ الأمن قد هداني
أم جمعيةُ الإنسانِ، ترانا سواء
نمشي على دربٍ يقطعنا غشومُه
كان إسماعيلُ وإسحقُ معاً
قد أصبحا من يافا إلى عدن، والطيرُ حلّقَ من فَنَنْ
ذي هاجرُ، ذي سارةُ تشربان
تتحدثان، وتضحكان

كان يمكن قبول هذا النص على سبيل الترجمة الرديئة لمترجمٍ مبتدىء، لكن أن يُقدَّمَ على أنه شعرٌ فهذا مما لايمكن قبوله بأي حال.

إن ما ورد في هذه المجموعة ابتذال لمفهوم الشعر، وإساءة قصوى لتشكيله الجمالي.
ومن أمثلة ذلك قوله:
يا صفوى قولي كلمةً قولي ولا -- تتمهلي  فالقلبُ صـارَ رهانا
قالت وقلبي في يديها مطرقاً -- قحطانُ أم عدنان كن من كانا

وقوله أيضاً:
يا بلادي
لكِ من عمري عهودْ
وعيوني فيكِ سُهْدٌ
يا بلادي في فؤادي كم سعينا في نشور
ذي فرشاتٌ تغني في حبورِ، إننـي أحيا ملياً فـي سطوري
يابلادي.

أو قوله في طريقة تناول الحالة:
اشـتقتُ  ولكني أبـداً -- أشــتاقُ لآلٍ كالمُهلِ
فسـلامي قولاً من قلبٍ -- إذ حبُّـك دراً في مقلي
أحدث أقدم

نموذج الاتصال