مفهوم اللغة الأم.. استعمال رموزصوتية مقطعية يعبّر بمقتضاها عن الفكر. النظام المتشكل من الأصوات اللفظية الاتفاقية وتتابعات الأصوات

تعدّدت الأقوال في تعريف اللغة واختلفت الآراء في أصل كلمة لغة، ففي معجم لسان العرب (لابن منظور المصري وفي الجزء 20-الطبعة 1- الصفحة116) جاء: "اللغة هي أصوات يعبّر بها كل قوم عن أغراضهم"، وثمة من يرى بأن كلمة لغة قد تكون مأخوذة من لوغوس اليونانية ومعناها كلمة (لويس معلوف- المنجد-بيروت- ط19-1966- ص726).

أما في الأنسكلوبيديا الفرنسية الكبرى Enscyclope die la grannde 1885-1901 art:parole) ) فقد أوردت أن اللغة أول الأمر استطالة للنشاط البدني كله، بما فيه من قسمات وتأشيرات بالأعضاء، لكن هذه الاستطالة قد تطورت شيئاً فشيئاً، لتصل إلى تلك الصور المجرّدة من الكلام، لتصبح كلاً قائماً بذاته حيث تشتق كلمة دلالتها من الكلمات الأخرى.

وفي دائرتي المعارف البريطانية والعلوم الاجتماعية (Social sciences encyclope dia, article,language)، جاء أن للغة الأصوات أفضلية عند الأمم، على بقية صور الاتصال الأخرى، من كتابة وإيحاءات وغيرها.

وهذه الصور الأخرى تتمّم لغة الكلام، من غير أن تعوّض عنها كليّة.(1)
وذكر ابن جني في الخصائص: "حدّ اللغة بأنَّها: أصوات يعبّر بها كل قوم عن أغراضهم.

فاللغة هي الإنسان، وهي الوطن، وهي الأهل، وهي نتيجة التفكير، وهي ما يميّز الإنسان من الحيوان، وهي ثمرة العقل".

والأصل في اللغة أن تكون مسموعة، لكن عندما عرفت الكتابة بالرسم، أو بالحرف، منقوشة على الحجر، أو مكتوبة على الورق، أصبحت هناك لغة مقروءة، أي أن الإنسان يقرؤها بعينه.

وأصبحت هناك لغتان، إحداهما سمعية، والأخرى بصرية، كون الأصل في اللغة هو الصوت، بينما الكتابة رموز تمثيلية، ساعدت على تناقل الصوت اللغوي بين الأجيال والمجموعات اللغوية، أما تصريفها ومعرفة حروفها فهي فُعلة، من لَغَوَتْ أي تكلّمتْ، وأصلها لُغْوة، وقالوا فيها: لُغات ولُغون وقيل فيها لَغِيَ- يلغي.

ويعدّ تعريف ابن جني هذا تعريفاً جامعاً مانعاً، حيث يتضمن العناصر الأساس للغة وهي كونها:
1- نظاماً من الأصوات المنطوقة.
2- يستخدمها مجتمع من بني الإنسان.
3-  تستخدم للتفاهم والتعبير عن المشاعر والأفكار.

وقال ابن الحاجب في مختصره:" حدُّ اللغة كلُّ لفظٍ وُضع لمعنى".
وقال الأسنوي في شرح منهاج الأصول: "اللغات عبارة عن الألفاظ الموضوعة المعاني".(2)

أما ابن خلدون فقد قال: "اعلم أن اللغة في المتعارف، هي عبارة المتكلم عن مقصوده، وتلك العبارة فعل اللسان، فلابد أن تصير ملكة متقرّرة في العضو الفاعل لها، هو اللسان، وهو في كل أمة بحسب اصطلاحاتهم.(3)

وعرّف ميللر(Miller) اللغة بأنها:"استعمال رموزصوتية مقطعية يعبّر بمقتضاها عن الفكر", Miller (g.a) :language and communication, megraw, hill book coine USA) 1950).

وقال جون كارول (Carooll john): "إنها ذلك النظام المتشكل من الأصوات اللفظية الاتفاقية، وتتابعات هذه الأصوات التي تستخدم أو يمكن أن تستخدم في الاتصال المتبادل بين جماعة من الناس، والتي يمكنها أن تصنّف بشكل عام الأشياء، والأحداث والعمليات في البيئة الإنسانية" (Carroll,john: The study of language, Harvard university press, Cambridge, 1966).

أما هيرلوك (Hurlock) فقد قال: "إنها تشمل صور التعبير قاطبة، وأن التعبير بأصوات مقطعية ما هو إلا أحد أشكال اللغة (Hurlock(e.b):Clinical neurology) ivingstone LTD,edimburgh.) .(4)

وعرّفها آخرون بأنها وسيلة الفرد لتلبية حاجاته، وتنفيذ رغباته في المجتمع الذي يعيش فيه، وعن طريقها يمكنه التفاهم مع الآخرين، والاطلاع على تجاريبهم، وعلى تجاريب المجتمعات الأخرى ماضياً وحاضراً.

وهي وسيلة لنقل المعارف العصرية في مختلف المجالات.(5)
وأكّد العالم اللغوي السويسري فردينان دي سوسير أنّ اللغة، والكلام، والصوت، والمعنى جزء من الكلام.

وعرّفها بأنّها نظام من الرموز المختلفة، تشير إلى أفكار مختلفة.
كما أورد في علوم اللغة جملة من المفاهيم الجديدة، أهمها التفريق بين اللغة والكلام.

وعدّ الأدب تابعاً للغة، وتنبّأ بالسيميولوجيا، وعدَّها نظاماّ من العلامات، وعلم اللغة جزء منها، فكانت علوم اللغة أساساً قامت عليه البنيوية، وربطت بين النقد واللغة، بوجود مستويات داخل النص كالمستوى الصوتي، ومخارج الحروف وأنساقها، والمستوى الصرفي للكلمة، والنحوي، والدلالي، ومستوى تداخل اللغة.(6)

والفكر اللغوي الحديث اهتم بالكشف عن ماهية البنية اللغوية العميقة، وتفسير عمل الآليات الدقيقة لمنظومة اللغة، فقد قامت البنيوية لدى دي سوسير على ثنائية الرمز ومدلوله، ليمهد بهذه الثنائية للقاء اللغة، مع المعلوماتية، وجوهرها الثنائي المعروف.

ولمّا كانت اللغة هي سندريلا العلوم، ورابطة العقد في خريطة المعرفة الإنسانية، فقد امتدت البنيوية إلى مجالات معرفية أخرى، طبقت في مجالات علم النفس، ونقد الأدب والشعر، والتنظيمات السياسية والاجتماعية.

وقد يكون من المناسب في هذا المجال القول بأن عبد القاهر الجرجاني كان من أوائل كتّاب العربية، ممّن وضع أسساً علمية (نظرية) لنقد الأدب والشعر، وهي تلك التي أشار إليها في نظريته للنّظم.

ومن هنا تشيرعبارة (اللغة الأم في التعليم) إلى استخدام الدارسين لها وسيلة للتعلّم، أو تعليمها مادة دراسية، أما بعض الخبراء فيرون أن عبارة اللغة الأم في التعليم, ينبغي أن تشمل تعليم هذه اللغة، والتعليم بوساطتها على حد سواء.

وقد يشار إليها بعبارة اللغة الأصلية، حيث بيّنت الدراسات أن استخدامها في التعليم في حالات كثيرة، عامل مساعد على اكتساب المهارات اللغوية، وعلى التحصيل الدراسي في المواد الدراسية الأخرى وعلى تعلّم لغة ثانية.(7)

وتبقى اللغة شريكة ثدي الأم في إيضاح وعي الصغير، وراعية المتعلّم، وملهمة المبدع، وهادية المتلقي.
فـ "حب اللغة وممارسة اللغة "عبارتان مفتاحيتان ساحرتان لهما أكبر الأثر في حياة اللغة أو موتها، فاللغة نظام صوتي، رمزي، تستخدمه الجماعة في التفكير, والتعبير، والاتصال.

واللغة تحمل المجتمع في جوفها، فهي الهواء الذي تتنفسه الجماعة، وهي النظام الذي يترجم ما في ضمائرها من معان، وأفكار، لتستحيل بدورها إلى وسائل وأدوات تشكّل حياتها، وتوجّه سلوك أفرادها، وتكشف عن طبقاتهم وجذور نشأتهم، وعن حدود عقليانيتهم، وميولهم الفكرية.

وهي قدر الإنسان، وعالمه، وحدود لغته هي الهوية، وهي أداة صنع المجتمع، وثقافة كل مجتمع كافية في لغتها، وفي معجمها ونحوها ونصوصها وفنها وأدبها، فلا حضارة إنسانية من دون نهضة لغويّة.

ولايخفى علينا أن اللغة هي الأم التي تنسج الغزل المجتمعي، في شبكة من علاقات الوفاق، التي تقيمها بين أفراد المجتمع، وجماعاته، ومؤسساته، ونظمه، ومعتقداته، فلا وفاق بلا لغة، ولامجتمع بلا وفاق.

كما تساهم في صياغة المجتمع الذي يساهم بدوره في صياغتها، حيث تؤكد الفلسفة اللغوية الحديثة، أنّه لا يمكن التصدّي لدراسة العلاقة بين الذات المعبّرة، والمعنى المعبّرعنه، دون رصدها.

وهي تعمل في سياقها الاجتماعي. فالجماعة الناطقة باللغة هي التي تهب الألفاظ معانيها خلال استعمالها اللغة في غمرة قيامها بأنشطتها اللغوية.

فاللغة هي الأم التي ترعى كل ناطق بها، ولاتضيق ذرعاً بصراحة كلماتها، وتغفر للعامة تجاوزها، ولاتحرم النخبة من تميّزها.(8)

(1) د.السيد، محمود (في طرائق تدريس اللغة العربية)، ص (9-10).
(2) د.السيوطي, عبد الرحمن جلال (المزهر في علوم اللغة وأنواعها)، ص (7-8-14-15). - ابن جني، أبي الفتح عثمان (الخصائص)، الجزء (1)، ص (1/73).
(3) د. معروف، نايف محمود (خصائص العربية وطرائق تدريسها), 1998، ص (16).
(4) د.السيد، محمود (في طرائق تدريس اللغة العربية), 1988, ص (9-10).
(5) د.صالح، أحمد محمد (أهمية اللغات في العالم)-1996- ص (1).
(6) سبتي، إبراهيم (مقال موت المؤلف وخلود الأثر)، الحوار المتمدن، العدد (1563).
(7) اليونسكو (التعليم في عالم متعدد اللغات)، 2003, ص (15-16).
(8) مدكور، علي أحمد (التربية وثقافة التكنولوجيا)- سلسلة الفكر العربي للتربية وعلم النفس- الكتاب رقم (27)، الفصل (4)، ص (155). 
أحدث أقدم

نموذج الاتصال