المراقبة المستمـرة في النظام التربوي المغربي.. تقويم للمدرس والمتعلم معا قصد إيجاد صيغة علاجية لإنجاح العملية التعليمية- التعلمية وإصلاح النظام التربوي

تعتبر المراقبة المستمرة من أهم مرتكزات التقويم في منظومتنا التربوية المغربية إلى جانب الامتحانات الموحدة الإقليمية والجهوية والوطنية.
وتعد كذلك أداة فعالة للحكم على نظامنا التعليمي وتشخيص مواطن ضعفه وقوته.

ومن خلاله نستطيع إعادة النظر في مقرراتنا ومناهجنا و تصحيح العملية البيداغوجية والديداكتيكية التي يقوم بها المدرس أثناء تواصله مع المتعلم عن طريق الالتجاء إلى الفيدباك. إذًا،

ماهي المراقبة المستمرة في المنظور التربوي؟
وماهو دور المراقبة المستمرة في النظام الحالي للتربية والتكوين؟
وما هي مهام الإدارة التربوية في عملية المراقبة؟
هذه هي الأسئلة التي سوف نرصدها في موضوعنا هذا.

لقد أولى الميثاق الوطني للتربية والتكوين للتقويم والمراقبة المستمرة ضمن عشريته التي تبدأ مع الموسم الدراسي 2000/2001أهمية كبرى وخاصة في الدعامة الخامسة (التقويم والامتحانات) ضمن المجال الثالث المعنون ب" التنظيم البيداغوجي"، لما للتقويم من دور في إصلاح النظام التربوي وتطويره وإصلاحه قصد السير بالمجتمع المغربي نحو آفاق مستقبلية زاهرة.

فما هي المراقبة المستمرة لغة واصطلاحا؟ تدل لفظة "المراقبة" لغة على الحراسة والمحافظة والتحقق من الشيء والملاحظة والرصد والمراجعة والتدقيق والإشراف وحسن الإدارة والقيادة.
بينما كلمة " المستمرة" تدل على الدوام والاستمرار والثبات والاطراد على الطريقة الواحدة.

أما المراقبة المستمرة فتعني اصطلاحا قياس الخبرات المنجزة واختبار التعلمات المحققة من قبل المتعلم عبر معايير كمية عددية (النقطة) وكيفية (التقدير المعنوي) قصد التأكد من مدى تحقق الأهداف والتوقعات والكفايات المسطرة، وذلك من أجل تعديل وتصحيح سير أو فحوى العمليات المنجزة بصفة خاصة وتقويم النظام التربوي بصفة عامة.

وبتعريف آخر، المراقبة المستمرة هي مجموعة من الإجراءات والأنشطة والمعايير التي تستند إلى الملاحظة والوصف والرصد والتحليل والتفسير والتأويل بطريقة مستمرة وبكيفية دائمة قصد تصويب ما تم إنجازه من قبل المتعلم، والتأكد من مدى التزامه بتطبيق التعليمات والأوامر وتنفيذها بطريقة كلية أو جزئية، وتشخيص العثرات والصعوبات التي تواجهه، وإيجاد الحلول المناسبة لمواطن النقص عن طريق المراجعة أو الدعم أو إعادة التكوين.

فالمراقبة المستمرة هي تقويم للمدرس والمتعلم معا قصد إيجاد صيغة علاجية لإنجاح العملية التعليمية- التعلمية وإصلاح النظام التربوي.

ولم تظهر المراقبة المستمرة بهذا المفهوم الاصطلاحي المركب (المراقبة + المستمرة) إلا في منتصف الثمانينيات وبالضبط مع الموسم الدراسي 1986/1987 مع المنشور الوزيري رقم 112 ب28/06/1986 الصادر في شأن التقويم والتنقيط والمعاملات بأقسام السنة الرابعة الإعدادية الذي حدد طريقة التقويم، وذلك عبر دورتين الأولى والثانية عن طريق المراقبة المستمرة، حيث يتم إجراء تمارين نصف شهرية في كل مادة، تحدد نوعيتها حسب المعطيات التربوية لكل مادة...

وطالب المنشور الوزاري رؤساء المؤسسات والمشرفين التربويين بمراقبة هذه العمليات في مختلف أوجهها.
كما أشار المنشور إلى كيفية احتساب المعدلات الدورية والسنوية مع تبيان علاقة المراقبة المستمرة بالامتحان الموحد على صعيد المؤسسة والنيابة وكيفية الانتقال من السلك الإعدادي إلى السلك التأهيلي.

ثم أعقبتها المذكرة رقم 114 الصادرة بتاريخ 20 صفر 1408 الموافق ل15 أكتوبر 1987 في موضوع المراقبة المستمرة في التعليم الثانوي، وقد حددت تسع امتحانات دورية في سلك الباكالوريا، ونصت على أهمية المراقبة المستمرة في تقويم التلميذ باعتبارها عملية تتبع ورصد لأعماله بصفة منتظمة.

ولايعني هذا أن هذا النمط الاختباري لم يكن موجودا من قبل، بل إن التقويم صاحب عملية التعلم منذ أن وجدت ثنائية المدرس والتلميذ إلا أن المراقبة المستمرة بهذه الإجراءات السلوكية والكفائية حديثة العهد في نظامنا التربوي المغربي الحديث.

ولقد تطور مفهوم المراقبة المستمرة في منظومتنا التربوية والتعليمية عبر تطور الإصلاحات التي كانت تدعو إليها وزارة التربية الوطنية من خلال عقد المنتديات الإصلاحية، وإصدار المذكرات والمنشورات الوزارية التي كانت تصدر سنويا في شأن التقويم والمراقبة المستمرة إما بصفة عامة وإما بخصوص كل مادة على حدة.

وقد بينت بكل جلاء أهداف المراقبة المستمرة ومضامينها والإجراءات والوسائل المستعملة وطرائق التقييم، وكيفية احتساب المعدلات والمعاملات المخصصة لكل مادة دراسية، إلى أن صدر الميثاق الوطني للتربية والتكوين مع حلول الموسم الدراسي 2000/2001 ليقدم تصورا جديدا للتقويم البيداغوجي والمراقبة المستمرة حسب الهيكلة الجديدة للأسلاك التعليمية.

ويتم تنظيم التقويم في السلك الابتدائي بانتقال الأطفال من السنة الأولى إلى السنة الثانية من التعليم الأولي بطريقة آلية، وبعد ذلك ينتقل إلى السلك الثاني الابتدائي عبر تقويم طفيف ومرن.
و ينتقل التلميذ من السنة الأولى إلى السنة الثانية بواسطة المراقبة المستمرة.

و للانتقال إلى السنة الثالثة، لابد أن يجتاز المتعلم امتحانا إلزاميا وموحدا على صعيد المدرسة يتوج بشهادة تمكنه من الالتحاق بالسلك الموالي.

وبعد ذلك، ينقل التلاميذ إلى الأقسام الأخرى بواسطة المراقبة المستمرة إلى أن يصل السنة السادسة من التعليم الأساسي، وهنا يخضع التلميذ للمراقبة المستمرة بنسبة 50% وامتحان الموحد على صعيد المؤسسة بنسبة25% والامتحان الإقليمي بنسبة 25%، ويتوج هذا السلك الابتدائي بشهادة الدروس الابتدائية.

وفي السلك الإعدادي، تتحكم المراقبة المستمرة في انتقال التلميذ من مستوى دراسي إلى آخر، لكن في السنة النهائية يخضع التلاميذ للمراقبة المستمرة بنسبة 30% والامتحان الموحد على صعيد المؤسسة بنسبة 25% والامتحان الجهوي بنسبة 25%.
وبعدها يحصل التلميذ على شهادة السلك الإعدادي.

وإذا انتقلنا إلى السلك التأهيلي، فالتلاميذ يخضعون للمراقبة المستمرة في مرحلة الجذوع المشتركة، بيد أنهم في مرحلة الباكالوريا يخضعون لامتحان جهوي بنسبة 25% في السنة الأولى والمراقبة المستمرة بنسبة 25% في السنة الختامية مع اجتياز الامتحان الوطني الذي يستوجب نسبة 50%، ويتوج هذا الامتحان بالحصول على شهادة البكالوريا للولوج إلى المعاهد العليا والجامعات.

وهناك لجن تسهر على وضع الامتحانات الإقليمية والجهوية والوطنية وهي لجن إما إقليمية وإما جهوية وإما وطنية ولاسيما الوكالة الوطنية للتقويم والتوجيه التي ينص عليها الميثاق في المادة 103.

ويلاحظ في النظام الحالي لعملية التقويم، أن التلاميذ قد يمتحنون في معظم المواد في إطار المراقبة المستمرة؛ لكنهم في الامتحان على صعيد المؤسسة والامتحانات الإقليمية والجهوية والوطنية يمتحنون في بعض المواد دون أخرى.

كما قد تتغير معاملات المواد من إطار المراقبة المستمرة إلى إطار الامتحان الموحد كما هو الشأن بالنسبة للسنة الثالثة من الإعدادي (فمعامل اللغة العربية واللغة الفرنسية والرياضيات والتربية الإسلامية 1 في إطار المراقبة المستمرة والامتحان الموحد على صعيد الإعدادية لينتقل هذا المعامل الفردي بعد ذلك إلى معامل 3 في الامتحان الجهوي).

ونفس الأمر ينطبق على شهادة الدروس الابتدائية مع استثناء شهادة البكالوريا التي احتفظت موادها على نفس معاملها سواء في المراقبة المستمرة أم في الامتحان الحهوي أم الوطني.

وتعتبر نقطة الصفر موجبة للرسوب في الامتحانات الموحدة الجهوية والوطنية، عكس المراقبة المستمرة والامتحان الموحد على صعيد المؤسسة لايعد فيها الصفر موجبا للرسوب والتكرار.

ويمكن أن نقول بأن نظام التقويم في التعليم المغربي يتخذ بنية هرمية تصاعدية على النحو التالي: المراقبة المستمرة على مستوى الفصل الدراسي معيارا للانتقال.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال