من الكلمات ما لا يصح الابتداء به، كالضمائر المتصلة ومنها ما لا يصح الوقفُ عليه، كالحروف الموضوعة على حرف واحدٍ ومنها ما يصح الإبتداء به والوقف عليه، وهو كل الكلمات، إلا قليلا منها.
فما صح الابتداء به والوقف عليه، وجب فصلُه عن غيره في الكتابة، لأنه يستقل بنفسه في النطق، كالأسماء الظاهرة، والضمائر المنفصلة، والأفعال والحروفَ الموضوعة على حرفين فأكثر.
وما لا يصحُّ الابتداء به، وجبَ وصلُهُ بما قبلهُ، كالضمائر والمتصلة، ونوني التوكيد، وعلامةِ التأنيث، وعلامةِ التَّثنية، وعلامة الجمع السالم.
وما لا يصحُّ الوقفُ عليه، وجب وصلُه بما قبله، كالضمائر، ونوني التوكيد، وعلامة التأنيث، وعلامةِ التَّثنية، وعلامة الجمع السالم.
وما لا يصحُّ الوقفُ عليه، وجب وصلُه بما بعده، كحروفِ المعاني الموضوعة على حرفٍ واحدٍ، والمركب المزجيِّ، وما رُكّب مع المائة من الآحاد: كأربعمائة، والظُّروفِ المضافة إلى "إذٍ" المُنَوَّنةِ: كيومئذٍ وحينئذٍ. فإن لم تُنَوَّنْ، بأن تُذكر الجملة المحذوفة المعوَّض عنها بالتنوين، وجبَ الفصلُ مثلُ: "رأيتك حين إذْ كنتَ تخطبُ".
وكلا النوعينِ (أي ما يصحُّ الابتداءُ به، وما لا يصح الوقف عليه) يجب وصله، كما رأيتَ، لأنه لا يستقلُّ بنفسه في النطق. والكتابةُ تكون بتقدير الابتداء بالكلمة والوقف عليها، كما علمتَ في أول فصل الخط.
وقد وصلوا، في بعض المواضع، ما حقّهُ أن يكتب منفصلا، كأنهم اعتبروا الكلمتين كلمةً واحدة. وإليك تلك المواضع:
1- وصلوا "ما" الإسميّة بكلمة "سِيٍّ" مثلُ: "أحبُّ أصدقائي، ولا سِيَّما زُهيرٍ"، وبكلمة "نِعْمَ" إذا كُسرت عينُها، مثلُ: "نِعِمَا يَعِظُكم به"، فإن سكنت عينها، وجب الفصلُ، مثلُ: "نِعْمَ ما تفعل".
2- ووصلوا "ما" الحرفية الزائدة أيًّا كان نوعها، بما قبلها، مثلُ: "طالما نصحتُ لك، {إنما إلهكم إلهٌ واحدٌ}، أتيتُ لكنما أُسامةُ لم يأت. {عمّا قليل لَيُصبِحُنَّ نادمين}. {مما خطيئاتِهم أُغرقوا}. {أيّما الأجلينِ قضيتُ}. فلا عدوان عليّ. أينما تجلسْ إجلس. إما تجتهدْ تنجح. {إنه لحقٌّ مثلما أنكم تنطقون}. اجتهدْ كيما تنجح".
3- وصلوا "ما" المصدرية بكلمة "مثل" مثل: "اعتصمْ بالحق مثلما اعتصم به سَلَفُكَ الصالح"، وبكلمة "رَيْثَ"، مثل: "انتظرني رَيْثنما آتيك"، وبكلمة "حين" مثل: "جِئتُ حينما طلعت الشمسُ"، وبكلمة "كل" مثل: "{كلما أضاءَ لهم مَشَوْا فيه}. كلما زرتني أكرمتك". "وما" بعد كلٍّ" مصدرية ظرفية.
4- وصلوا "مَنْ" استفهاميةً كانت، أو موصوليّةً، أو موصوفيةً، أو شرطيَّة، بمن وعن الجارَّتين فالاستفهاميّة مثل: "مِمن أنت تشكو؟" والموصوليَّة مثلُ: "خُذِ العلمَ عمَّن تَثقُ به". والموصوفيّةَ مثل: "عَجبتُ ممّن مُحبٍ لك يؤْذيك"، أي من رجلٍ محبٍّ لك. والشرطيّةُ مثلُ: مِمّن تَبتعدْ ابتعدْ، وعَمّن ترضَ أرضَ"، أي من تبتعدْ عنه أَنتَ أَبتعد عنه أَنا، ومن ترضَ عنه أَرضَ عنه.
وصلوا (مَن) الإستفهاميّة بفي الجارَّة، مثل: "فيمن ترغبُ أن يكون معك؟. فيمن ترى الخير؟".
5- وصلوا "لا" بكلمة "أن" الناصبة للمضارع، مثل: {لئلا يعلم أهلُ الكتاب} "ويجبُ ألا تدَعَ لليأس سبيلا إلى نفسك". ولا فرق بين أن تسبقها لامُ التعليل الجارَّة وألا تسبقها، كما رأيت.
هذا مذهب الجمهور. وذهب أبو حيّانَ ومن تابعه إلى وجوب الفصل قال: وهو الصحيح، لأنه الأصل، مثل: "يجب أن لا تهمل".
فإن لم تكن "أن" ناصبة للمضارع، وجب الفصل، كأن تكون مخففة من "أن" المشددةِ، مثل: "أشهَدُ أَن لا إِلهَ إلا اللهُ" أي أنه، أن تكون تفسيرية، مثلُ: "قُلْ له: أن تخفْ".
6- وصلوا "لا" بكلمة "إن" الشرطية الجازمة، مثلُ: {إلا تفعلوه تكن فتنةٌ، إلا تَنصرُوه فقد نَصرهُ الله}.
7- منهم من يصلُ "لا" بكلمة "كي"، مثلُ: "لكيلا يكون عليك حرجٌ، ومنهم من يوجب الفصل. والأمران جائزان. وقد جاء الوصلُ والفصلُ في القرآن الكريم، وقد وُصلت في المصحف في أربعة مواضع، منها: {لكيلا يكون عليك حرجٌ} ومن الفصل قوله تعالى: {لكي لا يكون على المؤمنين حرجٌ} وقوله: {كي لا يكون دولةً بين الأغنياء منكم}.
التسميات
نحو