التعليم وحوافز الانترنيت.. تطور تكنولوجيا الاتصال ودخول الجامعات التقليدية مجال التعليم عن بعد

لا ريب أن أحد أقوى حوافز تحويل التعليم إلى سوق عالمية ضخمة يتمثل في تطور تكنولوجيا الاتصال عن بعد وخاصة ازدهار إنترنت. وبعد ملاحظة تنامي حدة منافسة عروض التعليم عن بعد  بفعل قادمين جدد إلى السوق ، قررت الجامعات التقليدية، واحدة تلو الأخرى، اقتحام فتحة ذلك المجال.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية كانت جامعة Western Governor' s University التي تأسست بمبادرة من مجموعات مالية خاصة كبيرة، المبادر في هذا الاتجاه بتعاون مع IBM et Microsoft.

وبسرعة اقتدت بها هيئات ذات « طابع مؤسسي» أكثر. وهكذا وقعت ثلاثة جامعات أمريكية كبيرة وجامعة إنجليزية (Columbia, Stanford, Chicago et la London School of Economics) اتفاقا مع شركة مختصة بنشر برامج بيداغوجية عبر إنترنت، قصد تقديم دروس تكوين عن بعد في مجال الأعمال والمال.

ولحد الآن لا تتوج دروس التكوين تلك  بشهادات مصادقة عليها، لكن لا يخفى أن « الفكرة موجودة».
ونذكر كذلك من المقاولات الخاصةConcord University School of Law التي تقدم دروسا عبر إنترنت فقط وهي من تسيير Kaplan Educational Centers، الشركة المختصة منذ أمد طويل بالمساعدة على تحضير الامتحانات، وهي نفسها في ملكية Washington Post Company.

أما بعض الشركات الآخر مثل MIT فتغزو السوق الضخمة بما فيه الكفاية بتقديم دروس تكوين مجانية.
إن الإستراتيجية واضحة ومتمثلة في الاستئثار بحصص السوق بخفض الأسعار خفضا حادا، لتعويد زبائن لن يكون لهم بد ذات يوم من دفع مقابل باهظ  عن ذلك التعليم عن بعد.

حسب دراسة أنجزتها International Data Corporation، سيتضاعف عدد طلبة المدارس الإعدادية الأمريكية المتلقين دروسا «على الخط» ثلاثة مرات بين عامي 2000 و 2002، ليبلغ 2,2 مليون طالب، أي 15% من طلبة التعليم العالي الأمريكي.

وتتوقع نفس الدراسة أن تبلغ  نسبة  المدارس الإعدادية الأمريكية  المقدمة  لدروس تكوين مؤدى عنها عبر إنترنت 85% عام 2002.

قد يبتهج المرء لرؤية كنوز العلم والثقافة وقد غدت، على هذا النحو، في متناول أكبر عدد من الأفراد.
لكنه ابتهاج  يتناسى كون تلك المعارف لن تظل مجانية وكون الإفادة منها ستغدو مقتصرة على القادر على دفع ثمنها.

إنه تجاهلٌ أيضا  لكون الأمر هنا، كما في كل عولمة تجارية،  سيكون صراعا حتى الموت، يفضي إلى بقاء عدد قليل فقط.
إن التنميط التجاري الموحد، وبالتالي  إفقار المعرفة، هو  ما ينتظرنا في آخر الطريق.

وبحكم منطق السوق، ستتحول على هذا النحو  تكنولوجيا ذات قدرة تحررية إلى العكس، إلى أداة  إفقار فكري وثقافي مأسوي.

لا تعتقد  فئة كبيرة من المدرسين إمكان  تعميم التعليم عن بعد بإنترنت، لأن ذلك بنظرها  لن ينجح بسبب استحالة أتمتة ما يقوم به.
ربما هي محقة بخصوص هذه النقطة. لكن ذلك سُيطبَق أيا كانت العواقب على نوعية التعليم.

لأن الرهان ليس، كما يقول دافيد نوبل، «رهان تعليم بل رهان مال».
ذلك صحيح  لدرجة أن بنك الأعمال Merril Lynch  ميريل لانش خصص دراسة في أكثر من 300 صفحة حول آفاق سوق التعليم على الخط en ligne.

ويتضح منها أن ذلك القطاع  بات يشكل سوقا بمبلغ 9,4  مليار دولار، و قد تبلغ 54 مليار دولار عام 2002.

وثمة سوق أخرى مهمة خاصة بالتعليم عن بعد في إنترنت، سوق تعلم وظيفة الوصي tutorats  وتقديم مساعدات لتحضير الامتحانات.

فعلى سبيل المثال يقترح موقع  ExamWeb  مساعدات لتحضير الامتحان الأساسي SAP Scholastic Aptitude Test بسعر 345 دولار أمريكي (14.000 فرنك بلجيكي) أو او في الطرف الآخر من سلم الدراسة، تقديم أنشطة مساعدة لتحضير لـ California Bar (امتحان لولوج المحاماة بجامعة كالفورنيا )، بسعر زهيد يعادل 1.694 دولار ( 68.000 فرنك بلجيكي).

انتباه! لا يعطي هذا المبلغ دروسا ولا شهادة بل مجرد تحضير الامتحان.
سمحت مختلف أشكال التعلم على الخط تلك  بنمو هائل  لعدد الأطفال الأمريكيين المتابعين دراستهم (الابتدائية أو الثانوية) بالبيت «home schooling».. بعد أن كان التعلم بالبيت مقتصرا، فيما مضى، على أطفال المناطق القروية المنعزلة أو الأسر البورجوازية القادرة على توظيف أوصياء لأطفالها،  شهد تطورا مذهلا.

إذ انتقل من 500.000 طفل  إلى 1,7 مليون  في غضون عشر سنوات.
إن الآباء الذين ينظرون بقلق  إلى الاختلال وتصاعد العنف بالمدارس العمومية، يأملون  إيجاد حل بديل ذي نوعية جيدة وغير مكلف جدا في التعليم (أو المساعدة على التعلم) عن بعد على الإنترنت.

تتصل تلك المؤسسات بالآباء عبر الشبكة وتبلغهم ما أحرزه أطفالهم  من تقدم وتقترح أحيانا تقديم أنشطة شبه مدرسية.
ولكل ذلك مقابل طبعا.

لكن مبلغ التكاليف يتباين كثيرا حسب عدد ساعات المساعدة و يتناسب عكسا مع حجم وصلات الإعلان التجاري المرافقة للدروس.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال