إن الصبر على الجفاء، وتحمل سيئ الطباع من محاسن الأخلاق، ونحن نسعى لبناء كل خلق فاضل في نفوس أبنائنا، أوليست التربية بالفعل أبلغ من القول؟.
فما رأيك أخي المدرس حين يعتاد تلميذك منك الصبر على جفائه، وتحمل هفوته، بما لا يزيل الهيبة، و يجرئ على المعاودة؟ وإن كان ولابد من التنبيه فبحسن الإشارة، وجميل التلطف.
لذا يوصي ابن جماعة المعلم بهذا الخلق فيقول: "وينبغي أن يعتني بمصالح الطالب، ويعامله بما يعامل به أعز أولاده من الحنو والشفقة عليه، والإحسان إليه، والصبر على جفاء ربما وقع منه نقص لا يكاد يخلو الإنسان عنه، وسيئ أدب في بعض الأحيان، ويبسط عذره بحسب الإمكان، ويوقفه مع ذلك على ما صدر منه بنصح وتلطف، لا بتعنيف وتعسف، قاصداً بذلك حسن تربيته، وتحسين خلقه، وإصلاح شأنه، فإن عرف ذلك لذكائه بالإشارة، فلا حاجة لصريح العبارة، وإن لم يفهم إلا بصريحها أتى بها وراعى التدريج في التلطف" (ذكرة السامع والمتكلم).
ويكرر الغزالي الوصية نفسها فيرى أن من آداب المعلم: "أن يزجر المتعلم عن سيئ الأخلاق بطريق التعريض ما أمكن ولا يصرح، وبطريق الرحمة لابطريق التبويخ" (إحياء علوم الدين ( 1/57).
ويؤكد الإمام النووي هذا المعنى فيقول: "ويجريه مجرى ولده في الشفقة عليه، والصبر على جفائه وسوء أدبه، ويعذره في سوء أدب وجفوة تعرض منه في بعض الأحيان، فإن الإنسان معرضٌ للنقائص" (المجموع شرح المهذب (1/30).
والمنطق السليم يقتضي من المعلم أن يعالج الخطأ داخل الفصل بما يراه يحقق المصلحة، وأن لايتدخل طرف ثالث قدر الإمكان، والكي إنما هو آخر الدواء لا أوله.
وحين نتصور أن القصور والخطأ صفة ملازمة للطالب قلما ينفك عنها، وبخاصة في هذا الوقت، فسوف نتجاوز كثيراً من الأخطاء، أو نضعها في حجمها الطبيعي على الأقل ، وما أعظم أن يحتوي المعلم خطأ الطالب بنظرة، أو همسة، أو لفتة غير مباشرة، أو حديث خاص خارج الفصل.
وانظر إلى هذا النموذج الرائع من الصبر على جفاء الجاهل. قال أبو يوسف رحمه الله: "أتيت مجلس أبي حنيفة رحمه الله تعالى، فجلست فيه، فجاء رجل فقام في ناحية المجلس فجعل يسبُّ أبا حنيفة ويشتمه، فما يقطع أبو حنيفة حديثه ولا التفت إلى كلامه، ولا أجابه أحد من أهل المجلس حتى فرغ أبو حنيفة من كلامه، وقام ليدخل داره، فلما بلغ أبو حنيفة إلى باب داره قام عند بابه واستقبل الرجل، وقال: هذه داري أريد الدخول، فإن كنت مستتم باقي كلامك فأتمه حتى لا يبقى شيء مما عندك تخاف عليه الفوت، فاستحيا الرجل، وقال: اجعلني في حل، فقال : أنت في حل" (من أعلام التربية الإسلامية (1/ 137- 138). نقلاً عن مناقب أبي حنيفة للموفق المكي).
التسميات
صفات المدرس