أزمة التعليم بالمغرب عواملها وإفرازاتها.. فشل إصلاح التعليم وتحديد المسؤوليات

تتبعت عبر حلقتين متتاليتين بجريدة "المساء" مقالا للأستاذ لحسن حداد في صفحة الرأي موضوع" فشل إصلاح التعليم.. تحديد مسؤوليات".

وكان أول ما تبادر لذهني هو سؤال متمثل في كون الأمثلة التي أوردها الأستاذ في معرض استدلاله عن ذلك الفشل هي من العوامل التي أفضت إلى الازمة، أم هي من السمات التي أفرزتها الأزمة؟

كما أن الفقرة التي خص بها المعلم أو الأستاذ جعلتني اتساءل سؤالا آخر: هل الأستاذ لحسن حداد يعتقد بإمكان إيجاد كائن تتشكل معتقداته وأفكاره وممارساته بدون تاثير عوامل التربية التي خضع لها، ولا أثر فيه لما حبل به المجتمع الذي ترعرع فيه؟

وإذا كان ذلك ممكنا حسب ما يوحي به النص، هل يكون بذلك يتحدث عن كائن اجتماعي أم عن مزيج مشكل من ملائكة و بشر من خاصيته أنه يتحلى بالعصمة؟

إن عدنا للصفحة التي تعد لدى الكثير من ألمع الصفحات في تاريخ التعليم لمجتمع ما بعد الاستقلال، فسنتوقف بكل تأكيد أمام عقدي الستينيات و السبعينيات.

وبصرف النظر عن الواقع السوسيو اقتصادي لتلك المرحلة و المتميز بالأفق المفتوح في وجه خريجي المدارس، فسننتهي في نهاية المطاف إلى استنتاج واحد هو أن مدرس تلك الفترة هو نفسه مدرس اليوم والفارق الوحيد هو العوامل التي أثرت في كل واحد منهما. 

مدرس الستينيات و السبعينيات كان طفلا في الأربعينيات و الخمسينيات.
وإذا عدنا لتلك المرحلة التاريخية فسنجد أن الوسط الاجتماعي الذي نما فيه ذلك الطفل كان حابلا بالأفكار الوطينة الداعية الى التحرر ورفض المجتمع الاستعماري.

وبكل تاكيد ان ذلك الطفل راى الوطنيين يعتقلون ويزج بهم في السجون أو يستشهدون في سبيل حرية الوطن.
ولا شك ان ذلك جعله يتشرب بعمق مبادئ الوطنية و تنامت لديه الغيرة على الوطن وتشبع بمبادئ الكرامة و المثل الوطنية.

و حين أصبح يافعا و انتقل لطور العمل و الانتاج، ظهرت عليه تلك السمات التي عرف بها والمتمثلة في حب الوطن و التضحية والعمل الجاد من اجل رفع مستوى المواطنين.

وهو بذلك كله لم يفعل اكثر من انه عكس ما تشبع به من أفكار وقيم زرعت فيه من قبل.
ولذلك عمل على عكس ما تراكم داخله.

وعلى ضوء ذلك أتساءل:
ما هي القضايا الوطنية التي عاشها مدرس اليوم؟
وما هي المؤثرات التي أثرت في أفكاره و طبعت شخصيته؟

لا شك ان أغلب رجال التعليم اليوم هم من الاجيال التي ولدت بعد السبعينات.
ولهذا نجد انه باستثناء حدث المسيرة فهذه الأجيال لم تعش قضايا وطنية ممتدة في الزمن لحد تؤثر في حياة الناس وطريقة تفكيرهم بشكل إيجابي.

بل على العكس من ذلك تماما فهذا الجيل ظهر مع هبوب رياح عرفت برياح الليبيرالية المتوحشة التي كان من جملة ما ركزته هو التفكير الفرداني وقيم الثراء التي لا تهتم لما هو انساني ولا لما هو عام.

و تزامن هذا أيضا مع ظهور امراض اجتماعية لم تكن موجودة من قبل او لم تكن على السطح مثل الرشوة و الزبونية و المحسوبية.

أضف لهذا كله التأثير العميق لما افرزته سنوات الرصاص التي أثرت بشكل عميق على كيفية تعاطي الناس مع الشأن العام ودعت غلى جلمة ما دعت إليه إلى صرف النظر ونبذ التفكير في كل امر يتعدى الامور الخاصة للمواطن.

كما أثرت على طريقة تثقيف الناس وعلاقتهم بالجرائد و الكتب، ووصل الأمر إلى ذروته بمحاصرة التفكير العقلاني في المحتمع حين تم تشطيب شعبة الفلسفة من الجامعات.

وإذا كان هذا شئ لا يمكن نكرانه أفلا نكون - حين نؤاخذ هذا الجيل في كل قطاع وجد- بعيدين عن الصواب؟ السنا بذلك ندع المصدر و نحاصر الصدى؟

لا ادافع عن ما يحدث في المدارس و الثانويات و الجامعات.
إنما ارى أنه حين نحمل المسؤولية لرجل التعليم او غيره فيما يحدث نكون قد جانبنا الصواب، لأن الصحيح هو أن نستنكر نوع التحول الذي عرفه المجتمع وليس من عكسوا اصداء ذلك التحول.
هل ستنفع الإجرارت الزجرية التي دعا إليها الأستاذ في توقيف ما يحصل؟

أليس ما يدعو له هو مجرد اجترار لأساليب جربت من قبل، و ان الأكل الذي اتته لم يسفر سوى على تعميق الهوة و النفور بين الفاعلين في المجال؟

وهل السلطة التي يدعو إلى منحها يضمن أنها لن توظف في خدمة أهداف أخرى تعود بالنفع على من يمتلكها داخل التحول المستمر الذي صار فيه الوطن هو الجيب والحساب البنكي؟

الأزمة أعمق بكثير من المستوى الذي توقف عنده تحليل الأستاذ لحسن حداد.
وجوهرها مترتب عن تعاقب احداث أماتت روح المبادرة في المواطن الذي همشته السياسات المتلاحقة، وجعلته على هامش الشان العام،وغير معن بأي امر ما لم يكن مرتبطا بهمه المباشر.

وبالتالي فالجواب عن سؤال ما العمل يجب ان ينطلق أولا من بعث روح المواطنة لدى المواطن وجعله شريكا حقيقيا في كل القضايا التي تهم الوطن، والكف عن جعل المراقبة تنطلق من أتجاه وحيد من الاعلى إلى الأسفل، بل رسم أبعاد جديدة لها وجعلها تمضي أيضا من الأسفل إلى الأعلى.

ساعتها لن يحتاج الامر إلى التخاطب بلغة الوعد و الوعيد.
ولا جعل أمور التعليم في يد المقدمين والشيوخ.
و أيضا لن نسمع عن أساتذة يغشون في الامتحانات.
وما لم يحدث ذلك، فستتعاقب المواثيق.
و سنسمع الكثير من الكلام المتغير عن واقع لا يتغير.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال