التعليم الموسوعي والتعليم المجزوئي بين الارتكاز على المدرس والبحث عن القدرات الكفائية لدى المتعلم

يرتكز التعليم الموسوعي على المدرس باعتباره صاحب سلطة معرفية يقدمها للتلميذ جاهزة عن طريق مجموعة من الأسئلة تستوجب الحفظ والتقليد والتكرار.

ومن ثم، يصبح التلميذ مرتكنا إلى مدرسه لا يستطيع أن يواجه ما يتعرضه من المواقف المستجدة أو أن يلبي طلبات المقاولات الحديثة؛ لأنه لايملك الكفاءات والمهارات المهنية و المنهجية و التواصلية والذهنية واللغوية، بل يقف مكتوف اليدين عاجزا عن التأقلم والتكيف مع مستجدات الواقع الاقتصادي الجديد.

فمعارفه تبقى نظرية مجردة غير وظيفية تنقصها الممارسة والخبرات التجريبية.
وفي التعليم الموسوعي أيضا يتم الاهتمام بالكم على حساب الكيف، ويلتجئ المدرس إلى التحفيز السلوكي الميكانيكي من خلال ثنائية الحافز والاستجابة لتوجيه دفة القسم مما ينتج عنه سلبية ردود أفعال التلاميذ ونفورهم من القسم لانعدام الأنشطة الذاتية والخبرات الفردية.

وبالتالي، ينكمشون على أنفسهم خوفا أو خجلا أو جهلا بما يعطى لهم من دروس ومعارف كمية يصعب الإحاطة بها في سنة كاملة.

أما التعليم المجزوئي فهو تعليم قائم على بيداغوجيا الكفايات التي تستهدف البحث عن القدرات الكفائية لدى المتعلم عبر أداءات وإنجازات طوال سيرورة التعلم ووضعه في وضعيات معقدة أو أقل تعقيدا لاختبار أدائه السلوكي وتقويم كفاءاته وقدراته في التعامل مع مشاكل الواقع المحيطة به.

ويراعي هذا التعليم الفوارق الفردية وينكب على ظاهرة اللاتجانس من خلال دراسة كل حالة فردية ودعم كل متعلم وتحفيزه على إبراز قدراته وميولاته واستعداداته سواء في حلقة واحدة أم في حلقات متعددة متواصلة؛ لأن المقياس هنا ليس هو الدرس الذي ينتهي داخل حصة زمنية محددة كما في التعليم الموسوعي، بل الحلقة الديداكتيكية المتوالية التي تمتد عبر حصتين فأكثر.

هذا، ويقدم التعليم المجزوئي المقرر الدراسي في شكل مجزوءات ووحدات دراسية تصغر بدورها في إطار مقاطع وحلقات وخبرات مؤشرة في كفايات نوعية أو شاملة أو ممتدة قصد التدرج بالمتعلم لتحقيق كفايات عليا كلية ونهائية.

ويتم التركيز في هذا النوع من التعليم علىالكيف والمتعلم؛ لأن المدرس مجرد وصي أو مرشد ليس إلا.
وتصبح الدروس خبرات وممارسة كيفية ومهارات وقدرات معرفية ووجدانية وحركية.
أي إن المتعلم هو الذي يكون نفسه بنفسه ويتعلم كيف يبحث ويفكر وينظم ما يبحث عنه منهجيا ووظيفيا.

إن التعليم بالمجزوءات كما يقول الدكتور محمد الدريج: يروم بناء الكفايات لدى التلميذ، على اعتبار أن الكفايات هي قدرات شاملة ودينامية (نشطة) والتي لايمكن اختزالها في لائحة تحليلية من المحتويات، إنها تشكيلة (تركيبة) ذكية من المعارف والمهارات والاتجاهات.

فأن نكون أكفاء لا يعني أن نملك جملة من المعلومات والمهارات، فأن نكون أكفاء يعني أساسا أن نكون قادرين على تجنيد تلك المعلومات والمهارات، وتوظيفها في مواقف معينة ولحل مشكلات، أي أن نكون فعالين ومنتجين في وضعيات محددة.

لذلك يصير بناء الكفايات بهذا المعنى أمرا معقدا وأمرا ذاتيا وشخصيا.
فيكون من أولوياتنشاط المدرسين مساعدة المتعلمين، لكن على المتعلمين مساعدة أنفسهم في التعلم والتكوين الذاتي.
لذلك فإن التعليم بالمجزوءات يستدعي المتعلم كمسؤول ويتعامل معه كمدبر لتكوينه.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال