لقد بدا موسم حفلات عرس من نوع آخر بطقوساته الجميلة التي لا تختلف كثيراعن حفلات الأعراس المعروفة... إنه تراث عريق ضارب جذوره في قدم التاريخ... البيت على أتم زينته... الاستعدادات لإقامة الحفلة واستقبال الضيف المنتظر جارية على قدم وساق... عسف النخيل المكلل بالزهور والورود يتمايل على جانبي الباب وكأنه عروس أعدت لتزف إلى قصرها... الغرف... بل البيت مبخر بأزكى البخور ورائحته الطيبة تداعب الأنوف وتنعش العقل وتسعد النفس... الحلويات والمشروبات جاهزة... أفراد الأسرة على أناقتهم... الكل ينظر إلى الساعة بين فينة وأخرى... الخروف عنصر أساسي لا يمكن الاستغناء عنه في هذه الحفلة... إنها حفلة وفرحة لا تتكرر غالباً في عمر الفرد غير مرة... وتعالت زغاريد النسوة فرحة بالضيف المنتظر الذي هلّ بهيبته وكأنه أمير عصره... إنه موشح بنور الحج... يا هلا ويا مرحبا... استقبالات حارة من هنا وهناك... وبدأت تتخاطفه الأنظار وكأنه قائد عاد من المعركة منتصراً... بل أكثر من ذلك لأنه كان من ضيوف الرحمن ... لأنه زار بيت الله الحرام الذي تتجه إليه قلوب وأوجه الملايين خمس مرات في اليوم... هاتوا الخروف واذبحوه قالتها سيدة وقورة... ويخطو الحاج من على الخروف المذبوح ويدخل البيت برجله اليمين .. ثم ينثر عليه خليط من الفيشار والحلويات والورود وقطع نقدية احتفاء بعودته بينما الأطفال يتسابقون في جمع الحلويات والقطع النقدية... حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً دعاء رطب حاضر على لسان الداخل والخارج للحاج وتقام الولائم ويجتمع الأهل والأحباب والأصدقاء والجار ويوزع على الفقراء والمحتاجين... إنه احتفال بعودة الحاج كيوم ولدته أمه مطهراً من الذنوب من جانب وبعودته سالما معافا إلي أهله وأحبابه من جانب آخر... ثم توزع الهدايا, وأغلى هدية ينتظرها الجميع من الحجاج بفارغ الصبر وبشوق ممزوج بلهفة وحب وإيمان شربه ماء زمزم الذي ميزه الله عن كل مياه العالم لحكمته... إنه الماء الذي بمجرد ذكر اسمه تسترجع ذاكرتنا قصة سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام وأمه هاجر( رضي الله عنها )... إنه الماء الذي بشربه نتعبد ونرجو تحقق الأماني والأحلام... بلح المدينة المنورة يحتل الدرجة الثانية من بين الهدايا المنتظرة من الحجاج تليها المسبحة... بينما لا تتجاوز هدية الزوار المشروبات والحليب والحلويات التي غالبًا ما تنتهي إلي جيوب الأطفال الذين بدورهم يتشوقون لعودة الحجاج لهذا السبب بالذات... إنها من طقوس الحج المتوارثة عبر الأجيال، و من طقوس الحج أيضا ألا يخرج الحاج من البيت ثلاثة أيام وإذا كان الحاج من رواد القات يمتنع عنه خلال هذه الأيام الثلاث علي الأقل كما تعتبر هذه الحفلة فرصة للتواصل والتسامح وتوطيد العلاقات بين أفراد الأسرة والأهل والأصدقاء والجار...
نبيهة عبدو فارح
التسميات
قصة