(لم أعرف شعوراً تجاه أحد كالشعور الذي ينتابني نحوك) قال وحيدا هذه الكلمات وسرحت أفكاره وذهبت ذكرياته به إلى موطنه الذي لم يره منذ فترة بعيدة كان قد أصبح طبيباً في بلد أجنبي وحقق حلمه الذي كان يراوده منذ الصبا وكان يرى نفسه مثل المتنبي رغم كونه طبيباً في حبه لجدته فقد كان يحمل حباً كبيراً (لطالما آمنت بي وبقدراتي) تمت هذه الكلمات وقلبه يختلج من شدة حزنه (آه يا جدتي كم اشتقت إليك لقد كانت الأيام التي عشتها في كنفك أجمل أيام عمري، كانت أياماً حافلة بالبراءة والبساطة خالية من تعقيدات الحياة... جدتي... آه يا جدتي إن نفسي معذبة جداً.. كم أحتاج لرؤيتك وكم أشتاق للحديث معك.
أغمض وحيد عينية محاولاً النوم لكن دون فائدة (جدتي سرقتني الأيام يا جدتي لم أعد ذلك الطفل البريء لم تعد صور الطفولة تبهجني، أتوق إلى تلك اللحظات الدافئة التي كنا نقضيها معاً كعائلة، أغمض عينيه مرة أخرى واستغرق في التفكير، كانت جدته تمثل له أكبر من مجرد فرد من عائلته كانت تمثل له الوطن، كانت تمثل له الطفولة، تلك الأيام السعيدة بلا قلق بلا خوف.
تعود الآلام من الذكريات من الشوق إلى الماضي أنا هنا في بلاد غريبة، بلا أهل بلا أصدقاء والصداقات التي أكونها لا تعدو أن تكون مجرد زمالة أكاد أمقتها، جدتي أنا أعيش في دوامة هنا لا أحد يشعر بي آه كم أحتاج إليك يا جدتي.
ندت شفتاه وأفرجتا عن هذه العبارات ونفسه المعذبة تتوق للراحة فتح عينيه فرأى جدته تبتسم له فيها راعه المشهد للحظات ثم ما لبث أن عاد إلى رشده، نظر إلى المرآه مرة أخرى لكنه رأى صورته، حاول أن يتصور جدته في المرآه من جديد لكنه لم يستطيع، ضرب المرآه بيده، مرات ومرات ولكن صورة جدته ما عادت تظهر، أخذ يضحك بجنون يرمي الأشياء من حوله ثم أخذ يبكي ما هذا؟
ما الذي يحصل لي؟ هل فقدت عقلي؟ جدتي انني أفقد عقلي خارج وطني، أود العودة لكني لا أستطيع جدتي...
أريد أن أراك ولو لمرة أخيرة في حياتي وبعدها لا أحفل إذا مت أو قطعت إرباً أتوق لرؤية وجهك الباسم دوماً وضحكتك الصافية أي جدتي كم أشعر بالاستياء من نفسي حين أرى عجزي عن العودة، جل ما أريده الآن هو أن أراك كم أخاف أن أفقدك تنتابني مشاعر غريبة حين أفكر في ذلك، كان يحب جميع أفراد أسرته ولكن حبه لجدته كان يعلو على ذلك الحب ويسمو فوقه كأن يكن لها مشاعر خاصة كانت شخصاً فريداً من نوعه بالنسبة له، ذهب إلى المطبخ ليحضر الشاي (الشاي... جدتي الغالية.. كان الشاي الذي تعدينه ذا طعم مميز لأنه من صنعك ولا أعلم ، قد تكون أمي هي التي حضرته آنذاك ولكني عندما كنت أشربه في بيتكم كنت أحس له طعماً آخراً طعماً مميزاً مثلك تماماً يا جدتي، شيئاً مميزاً.
التسميات
من الحياة