في عقد السبعينات، شكل الوجود العسكري الأجنبي في البحر الأحمر مصدر قلق وتهديد للدول العربية المطلة على هذا البحر.
وفي النصف الثاني من هذا العقد بدأت تتطور استراتيجية عربية لذلك البحر تهدف إلى جعله بحيرة آمنة بعيدة عن مناورات السيطرة والاحتواء التي تقوم بها الدول العظمى. ويدور مفهوم الاستراتيجية العربية حول جعل البحر الأحمر منطقة سلم واستقرار دائمين ومنطقة محايدة.
ولم يخف الزعماء العرب نظرتهم إلى البحر الأحمر باعتباره بحيرة عربية.
وهذا ما قاله الرئيس السادات في كانون الأول 1976.
وفي شباط 1977، قال الرئيس حافظ الأسد "البحر الأحمر بحر عربي".
وفي حزيران من العام ذاته قال الشيخ صباح الأحمد الجابر "إن كل الدول المتاخمة لهذا البحر دول عربية".
وقد عقدت عدة مؤتمرات قمة بين زعماء عدد من الدول العربية لبحث مسألة الأمن في البحر الأحمر منها.
1- مؤتمر القمة الثلاثي في الرياض في 19/7/1976 بين الرئيس السادات والملك خالد والرئيس النميري. وتقرر في المؤتمر إقامة تنسيق عسكري بين هذه الدول في البحر الأحمر تتولى الإشراف عليه لجنة عسكرية موحدة وأعلن المؤتمر توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين مصر والسودان وقيام التضامن العربي من جهة، وأمن وسلام البحر الأحمر من جهة ثانية.
2- مؤتمر الخرطوم الثلاثي في شباط 1977 بين رؤساء مصر وسورية والسودان الذي كرس لمواجهة الوجود الإسرائيلي في البحر الأحمر.
3- قمة تعز في 22/3/1977 التي عقدت تحت شعار التضامن العربي وأمن البحر الأحمر وشارك فيها كل من شطري اليمن، الصومال، السودان، وقرر المؤتمر الاتفاق على ضرورة المحافظة على سلام منطقة البحر الأحمر وأهميته(68).
وبعد اندلاع الحرب العراقية -الإيرانية طورت الولايات المتحدة ما يعرف بالإجماع الاستراتيجي وقوات التدخل السريع بهدف احتلال منابع النفط عند الضرورة وقد أدى اتساع رقعة الحرب إلى تزايد الأساطيل الأجنبية في مياه الخليج تارة تحت ذريعة ضمان حرية الملاحة في مضيق هرمز وتارة أخرى لحماية ناقلات النفط. أما الهدف الحقيقي فهو العودة لاحتلال الخليج.
وهذا ما أكده الحاكم البريطاني لإحدى الولايات العربية قبل الاستقلال في مقابلة مع أحد الصحفيين العرب عام 1979.
يقول الحاكم البريطاني السابق متسائلاً "لماذا على المواطن الغربي أن يتحمل على مضض وبصمت التهديد اليومي لطريقة حياته من قبل عدد من المشايخ العرب وآيات الله الإيرانيين؟ بل أي حق أخلاقي للدول المصدرة للنفط التي لم يكن لها أي دور على الإطلاق في اكتشاف النفط واستخراجه يسمح لها أن تلعب بمقدرات الحضارة الغربية كلها؟ ألا يمكن ابتداع ذريعة لعودة الغرب لاستعمار هذه المنطقة التي هي بمثابة حبل الوريد لكل مصالح العالم الغربي؟.
أما الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون فقد شرح وبشكل لا لبس فيه ولا غموض ولا خجل الهدف الحقيقي لوجود الأساطيل الأجنبية، وخصوصاً الأميركية في الخليج العربي.
يقول الرئيس نيكسون في كتابه الحرب الحقيقية الصادر عام 1980 مشبهاً العلاقة بين الولايات المتحدة ودول النفط بالعلاقة القائمة مع امرأة ثرية تضع تحت سريرها ثروة من الماس تقدر بملايين الدولارات وتنتظر دائماً بفارغ الصبر قدوم قائد الشرطة the Sherif ليطمئنها ويطبع قبلة على خدها.
وبعد ذلك يشرح الرئيس نيكسون المتغيرات الجديدة في منطقة الخليج. فيقول: "علينا اليوم أكثر من أي وقت مضى أن نعلم من يسيطر على ماذا في الخليج الفارسي والشرق الأوسط لأنه المفتاح الذي يسمح لنا أن نعرف من يسيطر على ماذا في العالم.
لقد انتقلت السيطرة على نفط الشرق الأوسط من أيدي الشركات متعددة الجنسيات إلى البلدان المضيفة. وأصبح بذلك نمط الحكم أو اعتدال الزعماء العامل الحاسم في تحديد علاقة الغرب بهذه المنطقة.
وأخيراً يخلص الرئيس الأميركي إلى ضرورة أن تتواجد الولايات المتحدة بشكل دائم في المنطقة "إنه من الضروري أن تقيم الولايات المتحدة قواعد ثابتة لها كفيلة بأن تعكس صورة مقنعة لقوتها في المنطقة، وبأن تسمح بالرد بسرعة على ما قد يبرز من المخاطر والتهديدات المفاجئة.
نظن أن هذا يكشف بما فيه الكفاية أن هذه الأساطيل باتت مصدر تهديد لأمن الخليج العربي، تماماً مثلما يهدد التواجد الإسرائيلي العسكري وتحالفه مع كل من أثيوبيا وارتيريا الأمن في البحر الأحمر.
حمد سعيد الموعد
التسميات
أمن الخليج